رف من الحياة

كم عمرك؟!!!

 كـم عـمـرك؟!ـــ 

كثيراً ما تزعجني ، بعض الأسئلة الشخصية..على شاكلة "كم عمرك؟" أو "ما هو تخصصك؟"أو الأسئلة الغبية ، التي قد تصدر من بعض الناس  مثل "إلى أي قبيلة تنتمي؟" أو "كم راتبك؟"و نحو ذلك..

حتى و إن لم تكن مُوجهّة لي.....
بالطبع ، لا مشكلة من الأسئلة ، لو أتت في سياق مقبول و لكن المشكلة ، أن العقول مؤدلجة نحو أفكار سالفة و لهذا ، هي لا تسأل هذه الأسئلة بـ تجرّد..و إنما كي تُخضعها ، للقياس المبرمج في الرأس سلفا ًو تُعطيك بعدها ، صكّ التقييم ، أو التعليق المبرمَج.....كل شخص ، يرتكز في رأسه ، على معطيات معينة..و للأسف ، أنّ هذه المعطيات ليست متجرّدة في الغالب..بل تصل في بعض الأحيان ، إلى تصنيفك و تحليلك و إدخالك الجنة ، أو النار ، حسب أمزجتهم و ما يرتكزون عليه من معلومات عنك.. أو منك و في هذه الحالة ، يُصبح الإجابة على هذه الأسئلة نوعاً من الإعانة لهم ، على تصفية نفسك!...

دائماً أقول ، لمن يسأل
"كم عمرك؟"
رغم أن السؤال نفسه خاطئ..

فلا يعلم أحد ، كم عمره..لأنه على الأقل ، لا يعلم كم سيعيش من السنين..حتى يعرف كم هو "عمره"و الصحيح أن يسأل مثلاً: كم مضى من عمرك؟
كما يقول بعض أهل اللغة....
أقول: دائماً ، أباغتهم ، بالسؤال..ما هي فكرتك عن "العمر"؟هل سـ تعرف ما أحوي من مكنون عظيم..لو رأيتَ شكلي ، أو عرفتَ سنّي؟!

بالتأكيد: لا!و لو كان كذلك ، لـ تم تصنيف الناس بكل سهولة..و لما رأينا مثلا ، أناساً في عمر الزهور ، بل أقلّو بعضهم لم يبلغ العشرين من العمر..(مثل بعض المشاركين في مملكة راشد مثلاً)و هم على درجة من الاستنارة و الوعي لم نرها ، في أناس ، قد بلغوا من العمر أرذله رغم ما تراكم لديهم ، من تعليم و من خبرات سنين..و لاشك أيضاً ، أن ثمة أناس في نفس العِقد من العمرو ترى التفاوت الرهيب ، بينهم ، في مستويات الإدراك و يستمر هذا الحال ، حتى الممات..فلا الأولُ استنارَ مع السنين ، و لا الثاني فقد استنارته و هذا مما يدل ، على أنّ قيمة الإنسان هي في ذاته العظيمة ، و ليس في المقاييس الأخرى بالضرورة....و لا بأس بهذا السؤال ، لو أتى بريئاً متجرداً..و لم يقم "الرأس" بقراءتك بطريقة مؤدلجة..و هذا أمر ، قد يكون متعذّراً ، هذه الأيام..فلا أحسبُ أحداً ، يستطيع الخلاص من هذا الأسر..و لكن الدرجة ، تختلف من شخص لآخر..حسب الوعي ، و خبرات السنين و الحياة......و إذا كنا نتحدث ، في أمر "العمر"و الذي هو أمر شفّاف عموماً..و مع ذلك ، يتم تلوينه بطريقة أو بأخرى..فـ كيف إذن ، بـ سؤال: التخصص؟! و الذي هو أمر ملوّن من الأصل..و قد تطاردك لعنة لونه ، حتى لو كنتَ  تحمل درجة "الأستاذية" في هذا التخصص..(و هي قد تكون أعلى الدرجات العلمية كما هو معروف)و هذا بالطبع ، يزدهر في المحيط أو البيئة المهووسة أصلاً ، بالتصنيفات..و التي لا تعترف بالعقل بل بكل المظاهر الشكلية.....و من المفارقات العجيبة في مجتمعنا..كما تحدثتُ كثيراً من قبل عن هذا الواقع..أن هذا الأمر ، لا ينسحبُ أيضاً على "المشايخ"و هم مُعفوَن ، من هذه اللعنة..لأنه يحقّ لهم ، التحدث في كل باب..و هم مُصدَقّون ، حتى لو كان حديثهم لا يمتّ للعلم ، أو العقل بصلة..بينما العكسُ من ذلك ، غير ممكن أبداً!..و أتذكّرُ حادثةً لطيفة ، حدثت قبل فترة بسيطة..حينما قالَ أحد المشايخ "الكبار" في السعودية..أنّ أهل العلم ( و يقصد فقهاء الشريعة)ذكروا ، أن غشاء البكارة لدى الفتيات قد يزول من قفزة أو نحوها ، حين تمارس الرياضةو عليه ِ ( و لأسباب أخرى) فـ لا يجبُ أن تمارسها!...و هو رأي لا يمتّ للواقع بصلة ، فضلاً عن العلم!
و لكن أين المشكلة؟!

المشكلة ، أنّ كثيراً من الناس ، لازالوا يصدقون هذه الأقاويل ، التي يعرف أقل واع ٍفضلاً عن أهل الطب و غيرهم..أنها لا تمت للواقع بصلة ، و لا تعرف للصحة طريقاً! و مع ذلك ، يصدقونها ، فقط لأنها أتت من شيخ!

و لا بأس فـ هذا خيارهم..و لكن المصيبة ، حين ينبري عليك طائفةً منهم و لا يبقى إلا أن يقذفوك في نار جهنم و بئس المصير فقط ، لأنك خطّأتَ "فضيلة الشيخ..

وريث الأنبياء!"
و صدّقتَ "أهل الدنيا" ..
من أمثال أهل الطب!
و لا نقول إلا: حسبنا اللهُ ، و نعم الوكيل

:)...و تعالوا لـ نرى العكس الآن..فـ حين يأتي "استشاري" في الطب..و متخصص في طب النساء و الولادة..و له من الخبرة ما يزيد على العشرين عام..فضلاً عن كونه أستاذ جامعي أصلا..و يردّ على هذه النقطة ، بطريقة علمية و موضوعية..و تأتي مدرّبة نسائية ، مارست الرياضة و التدريب  لسنوات طويلة ، و لا تزال..و تُفنّد هذا القول..و يأتي ( أو تأتي!) أحد الكتّاب أيضاً..و يكتب في جريدة أو نحوها..مُعلّقاً على "حديث" الشيخ..و مُستشهداً بكل ما ذكرنا..*فـ ماذا يحدث؟!

سـ نجد أن هذه الطائفة ، تتجاهل الفكرة المبرمجة في رأسهم..( و هذا ما حدث بالفعل!)و التي يقذفونَ بها كل من يتحدث..و هي (اكتبُ في تخصصك!)

أو (هل أنتَ من أهل العلم لتتحدث؟!)
أو ( ما هو تخصصك ، لكي تتحدث في هذا الأمر؟!)
و نحو ذلك ، من التعليقات ، التي تفتقر للعقل..و يقولون بكل بساطة ، لكل هؤلاء "المتخصصين"

( هل أنتم أعلم من الشيخ؟! )أو ( علومكم ، علوم دنيوية قاصرة..و علم الشيخ.. أبقى و أنقى!)

أو ( كيف تتجرؤون على تخطيء الشيخ؟!

و هل تملكون علمه و فضله؟!)

و إذا أتاكَ من هو أفضل حالاً قليلاً..سـ يقول: (نحن مع الشيخ ، لأننا نثق به حتى لو أخطأفـ هو مجتهد ، له أجران إن أصاب ، و أجرٌ إن أخطأ!)

فـ هم لا يريدون من أحد أن ينطق بـ رأيه
طالما أن هذا الرأي لا يُعجبهم
حتى و إن كان هذا الرأي صائباً عِلمياً
و لم يكن رداً على شيخ ، أو غيره..بل إنهم لا يردون على النقاط الأساسية
و إنما يتجهون لفضاءات أخرى معروفة
و الحديثُ ، في هذه النقطة ، يطول..و على أية حال ، قد فصّلنا في ذلك في كذا مقال وأفصحهما إثنان..و يمكن الرجوع إليهما ، لمعرفة رأيي..إلا أني أقول دائماً ، أن المفكر أو الكاتب..لا تخصص له ، بالمعنى القشوري الذي يحملونه..بل تخصصه الدائم هو: الفكر! و الذي ، لا يحتكره تخصصٌ معين ، فـ يخنقه..و لا يحبسُ نفسه في شرنقته.. فـ يهلك عقله بل ينطلق مع المنطلقين ، في كل حقل و يأخذ أفضل ما عندهم..و يُقدمه لنفسه ، و للناس..دون فرض في ذلك ، و لا إهدار لـ دم أحد كما يفعل بعض هؤلاء ، هداهم الله.. ..أما الأسئلة الغبية ، من شاكلة ما ذكرتُ في مطلع المقال..فـ هي لا تستحق التعليق ، فضلاً عن الإجابة!..و لكن ليست هذه النقطة الأساسية التي انبثقت في رأسي ، و أردتُ الحديث عنها..و إن كان ما سبق ، جزءٌ منها..إلا أن السؤال الذي يُراودني دائماً..*هل يشعرُ أحدنا بالعمر فعلاً؟!*هل يشعر ، بالأيام ، التي تجري من عمره؟!و كثيراً ما أسأل نفسي: ما هو شعورمن وصل للسبعين أو الثمانين من العمر؟!*كيف يشعر بالضبط؟! و هل سـ أبلغ أنا مثلاهذه المرحلة من الخريف القاسي؟!و حينها ، ماذا سـ أشعر؟! و بماذا سـ أحسّ؟!...و لا أدري ، لماذا ؟

مواضيعنا الجديدة

هكذا يبدو (الحكير)

بات من الضروري جذب الشباب للانخراط في المهن المختلفة كون المستقبل للفئة العاملة المهنية المؤهلة على استيعاب مقومات التقنية و أدواتها، فجميع...