رف من الحياة

معلم الأول الإبتدائي

المكان : مدرسة ابتدائيةالزمان : 1417 هـ
الصف : الأول الابتدائي
الفصل الدراسي : الأول
صفتي : معلم صف أول ابتدائي
رابع سنة لي كمعلم ؛ وثالث سنة لي كمرب للصف الأول الابتدائي...

كانت الحصة الثانية من يوم أحد ؛ وكانت في مادة القراءة ...بدأ الطلاب يعملون في حل تدريب كتابي ؛ انتهى البعض ...بدأت أتجول بينهم أصوب لمن انتهى منهم من الحل ....كنت وما زلت صاحب مسبحة لا تفارق جيبي ولا يدي منذ مراهقتي ...وبينما كنت منحني للتصويب لأحد الطلاب ؛ وإذا بالمسبحة قد ظهر جزءًا منها من فتحة جيبي....احسست بمن يعبث فيها ويلامسها بأصبعه الصغير ؛ ولم ألتفت ؛ والتزمت وضعيتي ....أطلت التدقيق في التصويب ؛ ونظرت نظرة من تحت يدي .... فماذا شاهدت ؟!أحد الطلاب يداعب المسبحة العالقة من فتحة جيبي ... ويتبسم بهيام غريب !!!اعتدلت .... أخرجت السبحة بهدوء ؛ ووضعتها بحجره دون أن ألتفت إليه ؟؟اتجهت للسبورة وعدت للشرح ... وطلبت من الصغار تجهيز أنفسهم لفسحة الإفطار .لمحت الصغير ... وإذا به قد وضع المسبحة فوق الطاولة بين يديه يدعكها بقوة ثم يشمها ويسلهم بعينيه البريئتين الجميلتين .تعجبت من تصرفه ولم أرغب أن يراني أرقبه .قرع جرس نهاية الحصة ؛ وبدأ الأطفال يتوافدون للخارج .وطفلي صاحب المسبحة باق في مكانه ؟؟!!ويفعل ماكان قد فعله !!لم أنظر إليه ... تشاغلت بترتيب الصف والسبورة !تقدم الطفل إلى وقال : يبه ... توقف ثم قال : استاد سبحتك !مددت يدي لأخذها ووسط شكري له ...مسك الطفل يدي وقبلها ... وقال : أنا أحبك ياستاد ؟؟!!نزلت له جاثيا وقبلت رأسه ... وقلت له : وأنا احبك وحظنته ؟؟ وإذا بقلبه يخفق !!!خرج من الصف ... وخرجت ؟؟؟؟؟؟؟؟ واستفهامات كثيرة.أن يقول لك طفل : أحبك .... فهذا شرف كبير لا زيف فيه ؛ يعادل عندي مديح المدير ودرجة الأداء الوظيفي بامتيازوتقدير المشرف التربوي وكيله الثناء العطروتكريم مدير التعليم بالتميز ؛ وتتويج الوزير بالإتقان .مشيت في داخل أحد أروقة المدرسة ؛ فرحاً ... يخالط فرحي الذهول !!!سبحان الله ...وإذا وكيل المدرسة في وجهي ... وبعفويه سألته : أين ملفات طلاب الصف الأول الابتدائي .فأشار مشكوراً إليها في مكتبه .استأذنته وبدأت افتش عن ملف الطالب !!!فقال الوكيل : ماذا تريد ... بالضبط ؟؟فقلت : لا أعرف !!!فابتسم وغادر.وصلت لملف الطفل وفتحته ؟؟!!وصلت دفتر العائلة ..... ماذا أرى ؟ وماذا أشاهد ؟؟!!صورة الأب لم تكن موجودة !!! وختمت بختم كتب مكانها (متوفي) !!! إنه السر المؤكد.تبينت لاحقاً .... أن والد الطفل قد توفي قبل دخوله المدرسة بشهر إثر حادث مروري –رحمه الله-وهذا الطفل اليتيم ابنه الأول.... !!!كان الطفل يتمنى أن يشاركه والده تجربته المدرسية .... فغيبته أقدار الله !!وبلا نظريات علم النفس .... الطفل أرادني ( أب بديل) أعوضه حنو الأب الذي غاب عنه ؟؟ذلك الموقف .... غير مسار حياتي المهنية وعلاقاتي الإنسانية ... بت أؤمن أن التربية قيمة ورسالة عظيمة.لاحقاً .... بدأت أعزز طفلي الصغير بالملامسة والسلام ومسح الرأس .في الطابور الصباحي ... اعتدت أن اتفقدهم واحد تلو الأخر .وبعد الموقف ... اعتدت أن أقف بقرب هذا الطفل .وأتابعه في اليوم الدراسي كاملاً ؛ وفي جميع المواد أتفقده .نجح الطفل للصف الثاني .وأذكر أنه كان يلعب كرة القدم في حصة التربية الرياضية ؛ فضربه أحد زملائه ...انطلق باكياً ... وتعدى معلم التربية الرياضية الذي كان يحكم المباراة ...دخل بهو المدرسة ثم إلى غرفة المعلمين .... وأتجه لي ودموعه تسيل من عينيه ..وقال : فلان ضربني ؟؟؟فقلت له : ماله حق .فقال : قم احسب لي بلنتي !!!!فقلت : أبشر .خرجت معه للملعب المدرسي .... وأعلنت احتجاجي عند الحكم (معلم التربية الرياضية) ...وهددته بأن أطالب بالحكم الأجنبي في المباراة القادمة ... فامتثل جزاه الله خيرا ... وأخذت الصافرة وأعلنت عن بلنتي (بأثر رجعي) لصغيري.سدد صغيري الكرة ... ودوت صافرتي التي سمعها كل من في الحي معلنة الهدف ؛ وكنت أول من صفق بحرارة.صغيري الآن .... اجتاز المستوى الثالث في كلية اللغة العربية في جامعة القصيم.لن أنساك ...... يا ماجد ؛

منقول

عيون العاشقين

فيكتور هيجو: " عندما تتحدث إليك إمرأة أنصت إلى مـا تقوله عيناهـا".


شكسبير: " لا جمالاً مثل الذي نراه في عينيّ المرأة ... إن الكلمات التي تقولهـا المرأة بعينهـا تحتاج إلى عدة قواميس".


" هناك لغة في عينيهـا .. وفي كل إيماءة ".


د. جوبز: " أكبر لص على وجه الأرض هو الجمال الكائن في عيني المرأة ، فعيون المرأة بحيرة جافة .. ولكنهـا تستطيع أن تغرق أعظم السباحين".


العيون هي مرآة الكلام.


العيون .. عندمـا تتكلم بدون كلمات.


الحقيقة في العيون .. والكذب وراء العيون.


العيون لغة الإتصال غير اللفظي.


عندمـا تتخاطب العيون ... تكون أبلغ من أي كلام.


العين تعشق قبل القلب أحيانا.


العيون نوافذ إلى الروح والجســد.


العيون الجريئة عالم من السحـر والخيال.


ربّ عين أنمّ من لسان.


حديث العيون يكشف الكثير من الاسرار.


العين بريد القلب.


عين المرء عنوان قلبه.


العيون طلائع القلوب.


تتعطل لغة الكلام أحيـانـاُ ، فتبدو لغة أخرى .. هي لغة العيون.


مهمـا اختلفت لغات البشـر ، فإن لغة العيون واحـدة يفهمهـا جميع البشـر.


قد تضيع الكلمات من الانسـان ، ولكنها تظل مرسومة في عينيه.


إذا كان الجمال .. كل الجمال يكمن في العيون وسحرهـا ، ماذا يفعل الجمال إذا حان وقت النوم؟


بعض العيون تفضح صـاحبهـا ، وتفتن عليه.


البعض يخـاف أن يسبح في البحــر ، ولكـنه لا يخـاف من السبـاحـة في بحـر العيون.


العيون نعمة من الله ، فلا ندعها خلف شهواتنا تسير.


العيون قد تكون خطوات الشيطان نحو المعاصي والذنوب


العيون جمالٌ كم أتمنى أن تخفيه بنات حواء لمن يستحق بريقها .. ألا وهو زوجها.


العيون أهلكت بالحرام ، وأسعدت بالحلال.


العيون منبع الدفء ،ومقر الأسرار.


العيون سكن الدموع ، إلى ان تُغتال حدودها.


العيون .. هو أن تنظر إليها ، وتصمت قافية الحروف عند بلوغ الحب أسطورة الخيال

والحمار ثالثهما


مات والدها وهي في الخامسة من عمرها و بدأت معاناتها بين خلاف عقيم نشب بين أخوالها وأعمامها وحين بلغت عشر سنوات من عمرها كانت المصيبة التي قصمت ظهر ثباتها. تزوجت أمها من رجل آخر أنجب لها عشرات الذكور والإناث إخوة و أخوات ..
أوت إلی بيت شيخ علم و حكمة وأيضا قبيلة لا يستطيع هذا الشيخ الوقوف أمام النسيم فلم يعد من قوته إلا وقاره حين دنت من باب العريش الذي يقيم به الشيخ رمت أمامه عمامة بيضاء كانت تغطي بها شعر رأسها و هبت الريح تكاد تحمل الجبال الراسيات .
لكن كيف يصمد هذا العجوز في هذه العاصفة؟
وأين ستحط العمامة البيضاء ركابها إذ حملتها

تمزقت إنعدامات الرؤية وإكتست الأرض بصفو وجهها وبدأت ترتسم ملامح كل شيء
تطايرت كل الأشياء من حولهما وهما ثابتان إنه الشيخ الحكيم والفتاة و ثالثهما عمامة الفتاة يمسك بطرف من العمامة الشيخ والفتاة الطرف الآخر كانت أقرب إلی أن تسمی ميثاق محبة و ولاء أن يتبناها وترعاه إلی أن كبرت وتعلمت علی يده وتزوجت بأحد طلابه قبل وفاته بأسابيع
مضت الأيام وهي تمارس حياتها ليست كالأخريات بل أنجبت سلالة فيها العالم والباحث والمهندس والأديب والمؤرخ و بعد كل هذه السنوات إنتقلت إلی رحمة الله بعد أن لاذ بها كلب خائن و فيل باغي و حمار مرغوم.
وجاء أبناء وبنات إخوانها وأخواتها ليعيدوا الحكاية مرة أخری و يسلبوا إرث سلالتها وموطن تاريخها...

م.م.ق

نجاة خيري .. كما تعرفون ...!

ﻳِﻨَّﺰَﻑَ ﻗَﻠَﺒَها

ﻭﻳﺴَﻄَﺮﻟَﻨْﺎ ﻣﺄﺳﺂﺗنا جميعا
ﻃﺎﻝَ ﻟَﻴْﻞ ﺍﻟَﻌَﻨَﺎ

ﻭﺻَﺪَ ﺍﻟمعابر
ﻭﺍﻟٍﺠَﻔَّﺎ
ﻳﺄﻥ ﻗَﻠَﺒَها
ﻣَﻦّ ﺟَﺮَﺡَ ﺃﺣَﺰَﻧﻪ
ﻭﺃﺣَﺮَﻗﻪ
ﻳﺄﻥ
ﻣَﻦّ ﺫِﻛْﺮَﻯ قصيدة
نضجت
ﻭﻓَﻌَﻠَﺖ ﺑَﻘْﻠُﺒّها
ﻣﺎﻓَﻌَﻠَﺖ
ﺣَﺰِﻳِﻨّﺎ
ﺃﻧﺖ يا قلبها
ﺿَﻌِﻴﻒ ﺃﻧﺖ
ﻭﻻ‌ ﺗﺘَﺤَﻤَّﻞَ ﺍﻟِﺼَّﺪَﻣَﺂﺕَ
ﻓَﻜَّﺄَﻧْﺖ ﻣَﻘْﻄُﻮﻋَﺔ
ﻣُﺴِﺮّﺑَﻠَّﺔ ﺑﺎﻟَﺤَﺰَﻥ
ﻳﻠَﻔَّﻬﺎ ﺭَﺟَّﻊ ﺍﻵ‌ﻫﺂﺕِ
ﺭﺍﺋِﻊ ﻣﺎ ﺳَﻄَﺮت ﻫَﻨَّﺄ  وهناكَ
ﻣَﺪْﺭَﺳَﺔ ﺭﺍﺋِﻌَﺔ لا يضاهيها ألق
ﻓﻲ ﺍﻟﻌَﺸِﻖَ
ﺃَﻟِﻔَﺎﺋِﻖ ﺍﻟﺮَﻭْﻋَﺔ
ﻟﻘَﺪّ ﻛانت ﻣﺘﺄﻟﻘﻪ
ﺣَﺪَّ ﺍﻹ‌ﺑَﺪَﺃَﻉ عند كل قصة جديدةَ
ﻣﺎ ﺃﺟَﻤَﻞ ﻧَﺒَﺾَ ﻗَﻠَﺒَها
ﻭﺗَﻄْﺮِﻳﺰ ﻗَﻠَّﻤَﻚ
ﺣَﺮّﻭﻑ ﻧَﺜَﺮَﺗﻬﺎ ﺷﻔَﺘَّﺎها
ﻭﺧَﻄَّﺘﻬﺎ ﺃﻧﺄَﻣْﻠها
ﻓُﻠَّﺤَﻨَﺘﻬﺎ ﺳَﻄْﻮِﺭْها
ﻭﻏﻨﺄَﻫﺎ ﻣﺘَﺼَﻔَّﺤَﻚ
ﻓﺒَﺜَّﺘﻬﺎ ﻣِﺸّﺎﻋَﺮها
ﻓﺎِﺳْﺘَﻘْﺒَﻠَﺘﻬﺎ ﻗِﻠْﻮﺑﻨﺎ
ﻭﺗَﺮَﺍﻗَﺼﺖ ﻟَﻬَﺎ ﻣِﺸّﺎﻋَﺮَﻧَﺎ
ﻭَﺳِﻌَﺪَّﻧَﺎ ﺑُﺤَّﻀُﻮﺭَﻧَﺎ
ﻭﺍِﺳْﺘَﻤْﺘَﻌَﻨْﺎ ﺑﻌَﺰَﻓَها ﺍﻟﺮﺍﻗَﻲ
يراع ﺭﺍﻗَﻲ
ﺗَﻤّﺘِﻠْﻚَ
ﻗَﻠَﺒَﺎ ﻧَﻘِﻴّﺎ
إبداع ﻭﺃَﻛْﺜَﺮ
ﻭُﺩِّﻱّ ﻭﻭَﺭْﺩِﻱّ
ﻭﻻ‌ ﺗﻜَﻔَّﻲ لعناق حراكها..
الأستاذة نجاة خيري هي قاصة و  كاتبة  سعودية  تُحظى بمحبة كثير من القراء،
وتحب الصراحة والصدق، وتدافع عن الحق والمظلومين في مواجهة الظلم والطغيان وإجهاض حقوق النساء وليس المرأة فقط  . 
جمالها الحياء وطبيعتها الفضيلة.
  حصلت على وسام الشهرة من كثير من القراء السعوديين ، فأصبحت نخلة جازانية  يعتزون بها  أختا  قريبة إلى قلوبهم.تكتب  النثر  والقصة،  
  نجحت أن تتقدم إلى الأمام من خلال أخلاقها وأدبها، فأبدعت بقلمها، وتألقت بفهمها أن الكلمة مسؤولية، فأجادت في تلقيها وتعاطيها للأبجديات الأدبية الجميلة.أقول لها : عظَمة عقلك تجد  لك الحساد .. وصفاء قلبك يقرب  لك الأصدقاء، وكان ذلك هو السبب في أكذوبة حاسد نقل لنا الخبر أن نجاة رحلت عن الأدب في جازان بعد إستقالتها من مجلس النادي الأدبي بجازان، مما سبب لكثير من محبي  قصصها وكتاباتها الحزن العميق. وقف  الأصدقاء حيارى يغمرهم الألم  من هول ما سمعوا .  ولكنها سطعت في سماء الزاهد النعمي. حقا الصداقة بئر يزداد عمقا كلما شرب منه الإنسان، و‘‘الضمير المطمئن خير وسادة للراحة‘‘ كما يقول المثل، فهطل المطر وبانت الحقيقة، وعرفنا أن نجاة خيري تلتحف معطف الأدب  وفي سلام والحمد لله.   
فطاب مقامك يا رمزا للمرأة السعودية المعاصرة.

الفراق ( قراءة وجدانية 1)




" ما هو االفراق؟ "

لست بحاجة لأن أفتح معاجم المفردات وأطالع كتب اللغات من أجل أن أستشفي منها ما يمكنني من شرح كلمة الفراق ... الفراق هو أقسى كلمات الدنيا .. وُلِد من رحم المعاناة ... وتربى على أيدي الألم .. وعاش في مدينة اللوعة ... وكان قوته دمع الأعين .. وأنفاسه لهيب النار .. بل إن الوداع هو سبب كل الهموم .. وهو المسبب لكل الغموم ..

حتى أنك إذا رأيت لوناً من حزن .. أو سمعت همساً من بكاء ... فاعلم تمام العلم .. بأن الأساليب تتعدد .. والظروف تختلف ... لكن المعاناة هي واحدة .. والألم هو واحد .. بلا شك هو ألم الوداع ..

الفراق لا يضع فرقاً بين كبيرٍ أو صغير .. غنيٍّ أو فقير .. ابنٍ أو أم .. حاضرٍ أو غائب ... بل هو يسقي مرّه لمن يشاء .. ووقت ما يشاء
..

فما كانت مرافئ المواني وصالات المطارات ومحطات القطارات عواصمَ للحزن .. إلا لأنها تشترك بعاملٍ واحد .. وهوالفراق ... وما بكاء الأم لحظة زواج ابنتها إلا بسبب الفراق ... وما ذرف الدموع على الميّت قبل الدفن وبعده إلا بسبب الفراق ... وما نحيب المسافر الباحث عن لقمة العيش إلا بسبب الفراق ... وما بلل أهداب الطالب في حفل تخرّجه إلا بسبب فراقمرحلة من مراحل العمر الجميلة ... وما أغاني كـ (الأماكن) و (المسافر) و (الذاهبة) و (البرواز) و (وداعية) قد هيّجت الجروح ونغّصت القلوب إلا بسبب أنها تحوم حول الفراق... بل إن الدنيا بذاتها يكتنفها الحزن والبؤس والظلمة كل يومٍ وقت الغروب .. لا لشيءٍ إلا لأنها تفارق شمس ذلك اليوم ...





لنا أن نرى الفراق من زوايا عديدة وجِهاتٍ كثيرة ... نستقي منها العذاب ألواناً ... ونقاسي منها الخطوب أطناناً ... ولكن .. ليس على صوت الشعر صوت .. وليس على بوح القصيد نَوح ... فالشعر هو أجمل ثوب تلبسه المشاعر .. وأبهى حلّة تتزيّن بها الآلام ... وإن قلنا بأن أجمل الشعر أحزنه .. وأعذب الشعر أبكاه ... فحريّ بنا أن نلمس أطراف الحزن ونغوص في دموع البكاء ... وليس لنا ذلك إلا إن أبحرنا مع شعراءٍ قد ذاقوا من ويلات الوداع أصنافاً مصنّفة .. !!

وأستميح هنا منكم العذر ... فليس ليَ الحق بأن أتجاوز شاعر الفراق الجميل ... الشاعر الذي كتب إثر الم وداعه شعراً قد اعتُبر من عيون الشعر العربي البديع
...

هو ابن زريق .. ابن زريق البغدادي ... الذي اختار الرحيل من بغداد وحبيبته بحثاً عن ثروة كان يمنّي نفسه بها كي يغدق على محبوبته أنواعاً من الجواهر وزخرفاً من العيش ... فما كان منها إلا أن تمسّكت بأطرافه تتوسّل منه أن لا يرحل ويتركها ... غير أنّه غالب رجاءها وداس على قلبه وباشر الرحيل ..

وهناك ... ورف تحت ظل الأمرّين ... مرارة الحرمان وقتل الأحلام .. ومرارة وداع وجهها الجميل ... فقال رائعته الخالدة .. رائعته الباقية .. رائعته الدامية
...

لا تعذلـيـه فــإن الـعـذل يولـعـه ....... قـد قلـت حقـاً ولكـن ليـس يسمعـه
جاوزت فـي لومـه حـداً أضـر بـه ....... مـن حيـث قـدرت أن اللـوم ينفـعـه
فاستعملـي الرفـق فـي تأنيبـه بـدلاً ....... من عذله فهو مضنـي القلـب موجعـه
يكفيـه مـن لوعـة التشتيـت أن لــه ....... مـن النـوى كـل يـوم مـا يـروّعـه

أستـودع الله فـي بغـداد لـي قـمـراً ....... بالكـرخ مـن فلـك الأزرار مطلـعـه
ودعـتـه وبــودي لــو يودعـنـي ....... صفـو الحـيـاة وأنــي لا أودعــه
وكم تشبث بـي يـوم الرحيـل ضحـىً ....... وأدمـعـي مسـتـهـلاتٌ وأدمـعــه
لا أكـذب الله, ثـوب الصبـر منخـرق ....... عـني بفرقـتـه لـكــن أرقّـعُــه

ما كنـت أحسـب أن الدهـر يفجعنـي ....... بــه ولا أن بــي الأيــام تفجـعـه
حتـى جـرى البيـن فيمـا بيننـا بيـد ....... عسـراء تمنعـنـي حـظـي وتمنـعـه
عسـى الليالـي التـي أضنـت بفرقتنـا ....... جسمـي ستجمعنـي يومـاً وتجمـعـه
وإن تـغُـل أحــداً مـنــا منـيـتـه ....... فمـا الــذي بقـضـاء الله يصنـعـه؟

وما لبث أن ان انتهى ابن زريق من قصيدته .. حتى فاض به الحزن .. ولم يقوى على تحقيق رجائه الذي الذي عبر عنه في البيت قبل الأخير .. وذلك لأن ما كان في بيته الأخير كان اسرع ... نعم ... كان وداعه لها هو الأخير ... فابن زريق قد ... مـــات !!


وهنا .. أنتقل بكم إلى شاعر آخر قد عاش في بحر الوداع وغاص في أسراره وعرف شيئاً من أخباره .. كان ذلك قبلنا بمئات السنين .. هو الشاعر زهير بن أبي سلمى ... فقد كان مما قال
..

وقـائـلةٍ لـما أردت وداعـها ....... حـبيبي أحقا أنت بالبين فاجعى
فـيارب لا يصدق حديث سمعته ....... لقد راع قلبي ماجرى في مسامعى
وقامت وراء الستر تبكى حزينة ....... وقـد نـقبته بـيننا بـالأصابع ِ
بـكت فـأرتنى لـؤلؤا متناثراً ....... هوى فالتقته في فضول المقانع ِ

ولـما رأت أن الـفراق حـقيقةٌ ....... وأنـى عـليه مكره غير طائع ِ
تـبدت فلا والله ما الشمس مثلها ....... إذا أشرقت أنوارها في المطالع ِ
تـسلم بـاليمنى عـلى إشـارة ....... وتمسح باليسرى مجارى المدامع ِ
ومـا برحت تبكى وأبكى صبابةً ....... إلى أن تركنا الأرض ذات نقائع ِ

بالله عليكم ... أبعد هذا الحزن حزن ؟! .. وأبعد هذا الجرح جرح ؟! ... للّه درّك يا ابن أبي سلمى .. فلم تترك لنا دموعاً في العيون .. ولا مداداً في الأقلام ...





وعندما نأتي إلى شاعر سمّى نفسه بالملتاع ... لا أشك ابداً بأن هذه اللوعة التي اختارها مسمىً له كانت من تبعات الوداع ... هذا الوداع الذي عايشه مرّتين .. قبل أن يوادعنا إلى الأبد ..

يقول الملتاع ...

يـوم الـوداع تخيّـلي .. مـالي حـبيب اوادعه
مـحروم انـا وتخيّـلي .. محروم حتى من العذاب

يا الله ! .. كل ذلك وهو لم يفارق بعد .. كل ذلك كان عبارة عن أطراف حديثٍ قد وصلت إلى مسامعه تصف له التياع المفارقين... فحبّ أن يعذّب نفسه قليلاً .. واختار من العذاب أقساه .. فلمّا لم يجد من يوادعه .. حُرِم من العذاب كلّه ...

تلك كانت المرّة الأولى .. وأما المرّة الثانية .. فقد كانت بعد عذاب حقيقي .. بعد حرمان حقيقي .. بعد ضياع حقيقي .. بعد فراق حقيقي لم يحتمله الشاعر .. فقال كلمته المحفوظة ..

ليت ربي ما كتب لحظة وداع ..
لا فراق .. ولا دموع .. ولا ضياع ..
وليت كل الناس .. خلٍّ مع خليل ..
وكل ما قيل النهاية .. بين الاحباب .. الرحيل ..
قلت احبّـه حيل !


وأما عندما نتكلّم عن الشاعر " بدر بن عبدالمحسن " .. فنحن على موعد مع ألمٍ كبير وحزنٍ عميق .. بحجم الوداع في أشعاره .. وبُعد الفراق في أبياته ... بدون شك ان لكل شاعر عين .. وعين البدر في الواقع هي رائعته الشعرية الخالدة .. " أبعتذر " .. تلك المقطوعة المحزنة المبكية ... أما لماذا محزنة .. أما لماذا مبكية .. فقط اذهب إلى المقطع الأخير ... وتذوّق من أصناف العذاب ما شئت ..

يقول البدر ..

أبوعدك ..
كان الطريق بيبعدك ..
بمشي الطريق ...
وابوعدك ..
كان الجحود بيسعدك ..
مالي رفيق ...
أبجمع اوراق السنين ..
واودّعك ...
دام الفراق اللي تبين ...
الله معك ..

وهناك .. في قصيدة أخرى ... وبفلسفته المعهودة .. أراد أن يبيّن أمراً بينه وبين محبوبه .. أما لماذا اختار هذه الطريقة .. فلا تسألني ... فقط اقرأ .. وتعذّب .. !

ليه احس اني وانا اشوفك حزين ....... قلبـي الليلـة بهمّـي ممتـلي
كانها الفرقـى .. طلبتك حاجتين ....... لا تعلمنـي .. ولا تكـذب علي

وانظر وتأمّل حال الكلمات هنا ... واستشعرالحزن الكبير فيها ..

يالله يا قلبي تعبنا .. من الوقوف ..
ما بقى في الليل نجمة .. ولا طيوف ..
ذبلت انوار الشوارع .. وانطفا ضي الحروف ..
يالله يا قلبي سرينا .. ضاقت الدنيا علينا ..

مادري باكر هالمدينة .. وش تكون ..
النهار .. والورد الاصفر .. والغصون ..
هذا وجهك .. يالمسافر .. لما كانت لي عيون ..
وينها عيوني حبيبي .. سافرت مثلك .. حبيبي ..

القطار وفاتنا ... والمسافر .. راح !


وعند أجمل من كتب بالعربية ... عند نزار ...للفراق  صور عديدة ... واحزان مديدة ... سأكتفي معكم بهذا المقطع .. وأسألكم بالله أن تتخيلوا كمية الجروح والأحزان خلف هذه الأسطر البسيطة ...

لنفترق .. ونحنُ عاشقان ..
لنفترق برغمِ كلِّ الحبِّ والحنان
فمن خلالِ الدمعِ يا حبيبي ..
أريدُ أن تراني ..
ومن خلالِ النارِ والدُخانِ
أريدُ أن تراني ..
لنحترق.. لنبكِ يا حبيبي
فقد نسينا ..
نعمةَ البكاءِ من زمانِ
لنفترق ..
كي لا يصيرَ حبُّنا اعتيادا
وشوقنا رمادا ..
وتذبلَ الأزهارُ في الأواني ..

كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري ..
فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير
ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير
ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي ..
يا فارسي أنتَ ويا أميري
لكنني .. لكنني ..
أخافُ من عاطفتي
أخافُ من شعوري
أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا
أخاف من وِصالنا ..
أخافُ من عناقنا ..
فباسمِ حبٍّ رائعٍ
أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا ..
أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا
وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا
أسألك الرحيلا ..
حتى يظلَّ حبنا جميلا ..
حتى يكون عمرُهُ طويلا ..
أسألكَ الرحيلا ..


أما عند الشاعر عبدالرحمن بن مساعد ... فنجد الوداع حقاً .. ونجد الحزن صدقاً .. فهو كما علمنا جميعاً بأنه الشاعر الأصدق ..

يقول بعد وداعه الأول ... يوم أن ودّع زوجته وكريمته في المطار ..

ألا يا قلب نبضي ..
يا سما دمي ووجداني
فمان اللي عطاكي كل طهر الأرض ..
أنا ماشي ..
هذا كان آخر مانطق قلبي ..
وأول نبض في لساني
وتلاشى النطق ..
وعصر حزن الوداع اللي حضر قلبك دموع ..
بكت أدفى دموع الخلق ..
وسرى في داخلي برد الخشوع
وغير العطر .. ودموعك .. وجرحي من وداعك ..
ما بقى لي ..
استعفر اللي صورك مما طرى لي ..
طرى لي يا دفى عمري ..
ويا ترحالي وحلي
ارشف دمعك الطاهر .. واغسلبه واصلي
واحمد ربي اللي بك حباني
ألا يا أم أجمل من سكن قلبي ..
ويا داري .. وعنواني
فمان اللي عطاكي كل طهر الأرض ..
أنا ماشي ..

وفي قصيدة شبيه الريح ... صورة شعرية صغيرة .. تحمل أطناناً من المعاني الصارخة والأحاسيس المريرة ... حيث يقول ..

تعتب اجمع ألم كل الموادع .. في المواني .. واحضن اطيافك ...
تعبت السهد في ليل الشوارع .. والثواني .. تنطر انصافك ...
تعبت الظلم .. واجحافك ...

تأمل الصورة ... ألم الفراق .. المواني .. أطيافك .. الشوارع .. الثواني .. الظلم .. وإحجافك ..
فعلاً لقد تعددت الكلمات ...والفراق  واحد .. !!


وإذا هممنا بشد الرحال صوب جراح " عزيز الرسّام " .. فنحن بكل تأكيد على موعد مع كمٍّ كبير من الألم والغصة .. فهو الذي شمّ هواء بغداد .. وهو الذي عرف – كثيراً - معنى الوداع ..

لا سيما وهو يقول ..

اشلون اودعك يالعزيز .. وبيدي أحجز للسفر .. ؟!
أضحك بوجهك كذب .. وانا كاتمني القهر ..
ألف طعنه أنطعن .. وانضرب مليون خنجر ..
وما أمر بهيج حاله .. أحترق و عودي أخضر .. !!

إذا هسّه النار بيّه .. اشحال لو عني رحت .. ؟!
والله لابكّي الناس كلها .. بصيحة وحدة لو صحت .. !!
يالعزيز .. ارحم بحالي يا عمري ..
يالعزيز .. النار بتاكل فـ صدري ..
احبس دموعك حبيبي ..
كافي انه دمرني دمعك ..
يالعزيز !

أعاد الله عراقنا العزيز لأهداب عيوننا .. فوالله أن وداعه هو بالذات مرٌّ على مرّ .. !!


أما الشاعر الكويتي الجميل " عبداللطيف البنّاي " ... فيقول في الوداع كلمات دامية ... والله وحده يعلم ما كان يعانيه وقت كتابتها ...

لحظة ... يا بقايا الليل لحظة ..
لحظة ... ما بقى في الحيل لحظة ..
بالهدا يا ليل ..
ما بقى بي حيل ..
حسيت اني بنحرم شوفي ..
ما اقدر أوادع .. قطعة من يوفي ..

لهذه الدرجة ... نعم ... لهذه الدرجة تتجمع في الوداع كل أمرار الدنيا ..
كان الله في عون الموادع ...





فمن منكم يا تُرى ؟! .. من منكم ذي قوة وذي بأس شديد ؟! .. فهذا هو الوداع .. قد لان أمامه كل من واجهه .. وقد عصف بكل من جابهه .. أفمن حلٍّ يا ترى .. دون الهروب ؟!


قبل الوداع بيوم ..
مرّت علي وقت المغيب ..
في عينها شيٍّ غريب ..
قالت تعال ..
بوصل معك مشوار ..
لا تختلق أعذار ..
ترى المكان وايد قريب ..
ما عطتني أي مجال ..
حتى لو أسأل سؤال ..
خلّتني اركب جنبها ..
وبسرعة سارت دربها ..
كان الوضع جداً مريب ..
والصمت من حولي مهيب ..
إلاّ من صوتٍ يغنّي ..
"
الليلة احساسي غريب ..
عاشق وانا مالي حبيب ! "
وفـ داخلي صوتٍ يقول ..
اسألها يمكن هي تقول ..
وبسرعة لفّت لليسار ..
واضح تبي تروح المطار ..
بس يا ترى وش هو السبب ..
الرحلة باكر في النهار ..
واليوم جابتني وبكت ..
مسكت بإيدي وركضت ..
وانا في حالة ذهول ..
لي ما وصلت باب الدخول ..
قالت .. وفـ صوتها نبرة تعب ..
وفـ عينها نظرة عتب ..
أبغيك تاخذ عـ الوداع !!
باكر أنا برحل أكيد ..
ومابي أشوفك في ضياع ..
قلت لها ما يحتاج ابد ..
بكل صراحة يا بعد ..
قلبي وروحي ..
عودت روحي عـ الفراق ..
حتى الأماكن والمساكن ..
والمرايا والزوايا ..
علمتهم معنى رحيل الرفاق ..
قالت لي لا ..
فهمك غلط ..
هذا الفراق ..
الكل يقدر ويتحمّل ..
حتى المراهق والطفل ..
لكني أعني بالوداع ..
لحظة ضياع ..
ينتهي فيها الأمل ..
لحظة سراب ..
الوهم فيها يكتمل ..
لحظة عذاب ..
الفرحة فيها تندمل ..
هذي اللحظة وبس ..
هذي اللحظة فقط ..
باكر بتعرفها أكيد ..
باكر بتعرفها عدل ..
لما تجي وعينك تشوف ..
وضع النقط ..
فوق الحروف ..
ظليت وحدي في المكان ..
عييت اتبعها واروح ..
قلت انتظر ..
اللحظة هذي اللي تسمّيها وداع ..
ومرّت الساعات والدقايق والثوان ..
حسيت باللحظة بتجي ..
واوّل شعور .. حسيت اني في ضياع ..
صرت ارتجي .. لحظة حنان ..
صرت ارتجي .. شوية أمان ..
حسيت اني منتهي ..
يغمرني حزن وإلتياع ..
وشفتها ..
قلت الله يستر ما أموت ..
ومرّت ..
وقالت همس ..
فمان الله يا حبيب الأمس ..
قلت لها ارجوج ..
عندي لج سؤال ..
والصوت ما يسمع الصوت ..
من متى حسيتي .. بطعم الوداع ؟!
قالت لي اسمح لي بروح ..
والله بسني من الجروح ..
يكفيني ما فيني ..
قلت لها أرجوج جاوبيني ..
ودعتي من قبلي بشر ؟!
ودعتي من قبلي مكان ؟!
قالت لي لا ..
ودعت (حبك) من زمان .. !!

مواضيعنا الجديدة

هكذا يبدو (الحكير)

بات من الضروري جذب الشباب للانخراط في المهن المختلفة كون المستقبل للفئة العاملة المهنية المؤهلة على استيعاب مقومات التقنية و أدواتها، فجميع...