رف من الحياة

الديموقراطية الرياضية تجذب كاتب الرأي عبدالسلام اليمني


اختفى الرياضيون بالفطرة والفزعة، كما لم يعد بالإمكان القبول بثقافة إدارة الحواري والأحواش، التي سيطر عليها فترة من الزمن طوال القامة، والممتلئة أذرعتهم وصدورهم وأرجلهم بعضلات الردع والسيطرة. الملاعب على رغم بساطتها كانت تدار بأساليب دكتاتورية.
تغلغلت رأسمالية الإدارة والإغراء والأرباح والبريق لمفاصل الرياضة في العالم، فهب الأثرياء والباحثون عن الشهرة، للسيطرة على أماكن متعة الغالبية من الفقراء والطبقة الوسطى، وكان لا بد من السباق على بناء المنشآت الضخمة، وشق قنوات التدفقات النقدية. النجومية لم تعد جاذبيتها في إنكار الذات والتضحية المدفونة بالعواطف، أمام بريق العقود المالية. اغتسل الرياضيون من الولاءات الضيقة وعواطف مسقط الرأس وهزات المشاعر الفطرية الميولية.
احتفى الساسة حول العالم بنجوم وأبطال الرياضة، وحلت بهم الغيرة، وهم يشاهدون ويسمعون هتافات الجماهير، وصور ورسائل الإعجاب تطوق أعناق اللاعبين في أرجاء المعمورة، وفشل السياسيون عندما أرادوا الجمع بين الفتنتين، ومنح الرياضيون أنفسهم حق ممارسة الديموقراطية، فنصبوا الصناديق الحرة، وذاق المؤسسون وبال أمرها. يتذوق الرياضيون في السعودية النكهة والطعم والثقافة الديموقراطية، ورياح التغيير جاءت هذه المرة بارتفاع اضطراري (وليس هبوطاً)، وفق استحقاق دولي، بعد أن عاشت الرياضة العربية، والخليجية على وجه الخصوص حقبة التزكية والقرارات الأحادية التي دجنت خطط التطوير والمشاركة في دائرة صوت واحد وصور مكررة.
يتنفس الرياضيون السعوديون الصعداء، وهم يشاهدون 63 من أعضاء الجمعية العمومية للاتحاد السعودي لكرة القدم، يحملون أوراقاً بيضاء وأقلاماً ملونة، لاختيار رئيس اتحاد اللعبة الرياضية الأشهر على مستوى العالم، في خطوة متأخرة جداً عن الذين سبقونا، ومتقدمة في محاولة الانفتاح للحاق بالركب، وإصلاح اعوجاج أصاب مفاصل الرياضة، وأوصلها إلى حال العجز، وهو ما حدا بالجيل الجديد إلى هجرة أماكن المتعة في بلادنا إلى ساحات وملاعب التنافس العالمية التي بُنيت على أسس الخبرة والمعرفة والتخصص، وصناعة التنظيم والإنشاء، والعدالة والإبهار المعرفي.
المشهد الانتخابي الرياضي يوم الخميس 20 ديسمبر (كانون الأول) 2012، على رغم القصور في عدد أعضاء جمعية المنتخِبين، والمتنافسين على رئاسة الاتحاد، إلا أنه يُمثل نافذة ديموقراطية ربما تبعث الأمل في تفكيك دائرة الفوضي الجدلية التي أفرزت التناقض السلبي، وخطاب إعلامي مرهون لانتماء متعصب أذاق الأمرّين للروح الرياضية، وجعلها أمنية إصلاحية نرقب أبطالها وصانعيها.
ابتعاد الرئيس العام لرعاية الشباب وهيكلها ومسؤوليها، عن مفاصل الأعمال التنفيذية للاتحادات الرياضية، وضع المؤسسة الراعية للشباب والرياضة في موقعها الصحيح، قائمة للتركيز على التخطيط الاستراتيجي، وإصدار التشريعات وتوفير الدعم المادي والمعنوي، وتوجيه الفكر والجهود لتطوير البنية الأساسية، للنهوض بالرياضة والمناشط الشبابية.
تابعت بعض البرامج والتعليقات التي تتحدث عن الأجدر بالتصويت بـ«نعم» لرئاسة الاتحاد السعودي لكرة القدم، وبدأنا أولى عتبات ممارسة حرية الرأي والاختيار، على رغم أنها بين مرشحين اثنين لا ثالث لهما.. ولكن تلك خطوة على الطريق الصحيح، نرجو أن تتبعها خطوات أكثر نضجاً وعمقاً وانفتاحاً في مجلس الشورى ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
المرشحان للرئاسة أحمد عيد وخالد المعمر، استمعنا إلى برنامجيهما الانتخابي، ولأننا نعيش حالاً ديموقراطية، وحرية القول والاختيار وإبداء الرأي، أقول إن أحمد عيد تفوق على منافسه خالد المعمر منذ حديثه الأول لبرنامج «في المرمى» عبر قناة «العربية»، الذي عبّر فيه عن قناعته بفكر العمل الجماعي، ومما قاله: «إن التاريخ يشفع لمن قَدّم شرف التضحيات للوطن، والخبرة والانتماء هي التي تشفع للإنسان أمام حرية الاختيار، وأنه سيُطوع خبرته ليحملها مجموعة من الشباب سيعملون معه لديهم الحيوية والرغبة للتخطيط للمستقبل».
وأضاف عيد: «سأعمل لا لأحقق ما أريد، بل ما تريده الرياضة السعودية»، وحدد محاور خطة عمله المستقبلية التنظيمية والمالية والفنية، وأن الفكر ومحبة الناس هو الذي يُسيّر حملته الانتخابية وليس المال.
وكان الفيصل في حديث ورؤية وتوجه أحمد عيد، عند سؤاله عن إعلان اختيار الأمين العام للاتحاد مثلما فعل منافسه خالد المعمر الذي اختار طارق التويجري أميناً عاماً في حال فوزه بالرئاسة؛ فقال أحمد عيد: «إنه لن يختار الأمين العام بقرار انفرادي، وبعد انتخابه وتشكيل مجلس إدارة الاتحاد سيطرح هذا الموضوع على مجلس الإدارة، فالقرار ليس انفرادياً، ولكنه نتيجة لمداولات وعمل جماعي».
نِعْم الرأي والتوجه، ولو كنت مخولاً بالتصويت، لمنحت صوتي من دون تردد لأحمد عيد لرؤيته الديموقراطية ورفضه للقرارات الفردية المسبقة، ولأن عملية الانتخاب، يسعى من خلالها المنتخبون أن يقدموا لكرسي الرئاسة من يسمع لممثليهم ويناقشهم ويحترم آراءهم في الصغيرة قبل الكبيرة، وأحمد عيد قدم لهم فاكهته الديموقراطية بروح رياضية عالية، فانتخبوه، لأن من حمى مرمى المنتحب حارس مرمى وأبدع، يستطيع بفكره الديموقراطي أن يحمي الجمعية العمومية واتحاد كرة القدم بإرادة الله، ثم بالخبرة التي اكتسبها سنين طويلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مواضيعنا الجديدة

هكذا يبدو (الحكير)

بات من الضروري جذب الشباب للانخراط في المهن المختلفة كون المستقبل للفئة العاملة المهنية المؤهلة على استيعاب مقومات التقنية و أدواتها، فجميع...